أغلق      
         

 
       
                               

 

 

 

المجـلة

المجلة البرهانية

 

 

 

3

كلمة العدد  ::  حكمة العدد  ::  وقفات  ::  الدين النصيحة  ::  خدعوك فقالوا

تعم المشرقين  ::  صحابة أحمد  ::  ركن المرأة  ::  ركن الشباب  ::  ركن الطفل 

كلمة العدد

 

 العبادة الحقة

 

  جوهر الإسلام موجود دون شك فى النفوس والقلوب بشكل كلى، إنما انطمست إلى حد كبير رؤية الصلة بينه وبين الوقائع الجزئية السريعة التغير، وبينه وبين مستحدثات الحياة التى لاتكف عن الظهور، وصارت الرابطة بين الدين وبين الناس وحتى مايطلق عليهم اسم المتدينين؛ مجرد ممارسة للشعائر فى أوقاتها المنتظمة، أو الإستشهاد بالعبارت المأثورة من القرآن والحديث فى مواقف شتى من الحياة كثيراً ماتكون تفتقد المشابهة الحقيقية لمناسبة تلك المأثورات. ونعجب حين نرى أكثر من يؤدون العبادات ويتمتعون بقدر كبير من الرضى عن النفس بما يظنون أنهم بلغوه من الإيمان؛ تعجب حين نراهم يتعاملون مع الحياة بمنطق آخر كثيراً مايكون بعيداً عن الرؤية الدينية الإسلامية السليمة، وأكثرهم ربما لايكون ذلك متعمداً منهم لأنهم ليسوا بمنافقين، ولكن السبب هو غياب تلك الرؤية عن قلوبهم. والباحثون عن حقيقة الإخلاص منهم يكابدون مرارة شديدة من عجزهم عن قبول عدم التوافق الظاهر فى كثير من الأحيان بين الأسلوب الإسلامى المثالى للحياة فى نظرهم، وبين مايضطرون لمعايشته، وحيرتهم وعدم قدرتهم على تفهم الحقيقة فيما حولهم من آراء وأفكار وتفسيرات يلقيها نفر من مدعى العلم, ... وكما يقول الإمام فخر الدين:

من عجيب العجاب فى أهل عصرى       أن من يجهــل النصيحة يسدى

ويرى المسلمون فى كمد وعجز عن الفهم دولة الباطل تسود ودولة الحق والإسلام تهون، فيشك ضعاف الإيمان منهم، ويقولون كيف نكون على الحق ولاينصرنا الله! وبين هؤلاء وهؤلاء يضيع الكثيرون ولايجدون وجهة لهم يولون ولاأساساً صلباً به يستمسكون.

ولاحل إلا بإعادة النظر فى كل معانى العبادة والإيمان، لمعرفة الغرض الأسمى من خلق الحلق, وماهية الخياة الكريمة وكيفية سواد المسلمين الأول على العالمين، وكيف عرفوا ما هو الهدف الأسمى من حياتهم, وما هو جدير يالاهتمام, فالله تعالى يقول فى أكثر من موضع من القرآن إن معنى الخلق هو ظهور العبادة للواحد الحق. ﴿وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، ﴿خالق كل شئ فاعبدون﴾، ﴿وأنا ربكم فاعبدون﴾، ﴿فإياى فاعبدون﴾، ﴿فاعبده واصطبر لعبادته﴾، ﴿واعبدوه واشكروا له﴾، ﴿لاإله إلا أنا فاعبدون﴾ وعشرات الآيات الدالة على ذلك ... كما جاء فى الحديث الشريف: (الدنيا ملعونة ملعون مافيها إلا ذكر الله وعبادته) ... فالهدف الأول من الحياة هو العبادة، وليست العبادة مجرد حلية ثانوية نجمل بها ثوب العيش المزخرف بنسيج الباطل اللامع، ولاتميمة نعلقها على جواد رغبات الدنيا الجامح لتحفظنا من السقوط قبل بلوغ النهاية المؤلمة التى يفجع الفائز دائماً حين يرى أن جائزته هى الهلاك الأبدى ... فإذن يكون خليقاً بالمسلم أن يجعل هذه العبادة روحا لكل أفعاله، ومظهراً لكل سلوكه ... وهذا ليس بالمطلب اليسير، لأن الشواغل عديدة والقواطع شديدة، والشهوات غالبة، والخشوع الذى هو روح العبادة ضائع بين هذه الغيلان ... ولذا قال تعالى: { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم} فالإيمان قد يوجد بدون خشوع، وهو الحال الغالب على أناس هذا الزمان من المسلمين، وهو مايسبب لهم ذلك الحزن والهم والحيرة التى يتخبطون فى وحشات ظلماتها، ويطوون صدورهم على حسرات جهل حقيقة ماحولهم ... ويقول تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله}؛ فالتقوى التى هى ثمرة العبادة الحقة يترتب عليها العلم الذى أقل درجاته أن يدرك العبد الفرق بين الحق والباطل، ويعى معنى حياته كلها. وأن الأمل الوحيد بين أمواج هذا البحر الصاخب هو معرفة أحد هؤلاء الذين منّ الله عليهم بنعمته الأزلية واصطفاهم لمعرفته وخدمته, وجعلهم مثابة للناس وأمناً، ورزقهم الفهم لآياته والتأويل لإشاراته ... هؤلاء هم الرواد الحقيقيون لمتاهات الطريق إلى الواحد القديم، هؤلاء هم الخبراء الذين لاينبئ غيرهم عن يقين، العارفون بالله، أولياؤه، الأصفياء المحبون ... هم وحدهم الذين يعرفون معبودهم الذى لايفردون سواه بالعبادة كلما عبد الناس أطماعهم ورغباتهم وآمالهم ومخاوفهم؛ ... وكما يقول العارف بالله الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى:

وأعبد من لايعبد الناس عندما      يكون إله الناس خوف الحنية

 فإلى هؤلاء يلقى الناس بالقياد، فهم الوسيلة إلى رب العباد، وبهم تنجلى شبهات الدنيا، ويتحقق معنى العبادة الحقة، وعندها تكون الحياة كما ينبغى أن تكون.