أغلق      
         

 
       
                               

 

 

 

المجـلة

المجلة البرهانية

 

 

 

3

كلمة العدد  ::  حكمة العدد  ::  وقفات  ::  الدين النصيحة  ::  خدعوك فقالوا

تعم المشرقين  ::  صحابة أحمد  ::  ركن المرأة  ::  ركن الشباب  ::  ركن الطفل 

 

وقفات

 

من أحوال المراقبة لله

 

  مما ذكره الشيخ محيى الدين فى فتوحاته: حديث الشيخ أبو بكر اللخمى عن بعض المعلمين من الصالحين أن صبياً صغيراً كان يقرأ عليه القرآن، فرآه مصفر اللون فسأله عن حاله فقيل له: إنه يقوم الليل بالقرآن كله، فقال له: ياولدى أُخبرت أنك تقوم الليل بالقرآن كله! فقال: هو ماقيل لك. فقال: ياولدى إذا كان فى هذه الليلة فاحضرنى فى قبلتك واقرأ علىّ القرآن فى صلاتك ولاتغفل عنى. فقال الشاب: نعم. فلما أصبح قال له: هل فعلت ماأمرتك به؟ قال: نعم ياأستاذ. قال: وهل ختمت القرآن البارحة؟ قال: لاماقدرت على أكثر من نصف القرآن. قال: ياولدى هذا حسن، إذا كان فى هذه الليلة فاجعل من شئت من أصحاب رسول الله أمامك الذين سمعوا القرآن من رسول الله واقرأ عليه واحذر فإنهم سمعوه من رسول الله فلا تزلّ فى تلاوتك. فقال: إن شاء الله ياأستاذ كذلك أفعل. فلما أصبح سأله الأستاذ عن ليلته فقال: ياأستاذ ماقدرت على أكثر من ربع القرآن. فقال: ياولدى أتل هذه الليلة على رسول الله الذى أنزل عليه القرآن واعرف بين يدى من تتلوه. فقال: نعم فلما أصبح قال: ياأستاذ ماقدرت طول ليلتى على أكثر من جزء من القرآن أو مايقاربه، فقال: ياولدى إذا كان هذه الليلة فلتكن تقرأ القرآن بين يدى جبريل الذى نزل به على قلب محمد فاحذر واعرف قدر من تقرأ عليه. فلما أصبح قال: ياأستاذ ماقدرت على أكثر من كذا ... وذكر آيات قليلة من القرآن ... فقال: ياولدى إذا كان هذه الليلة تب إلى الله وتأهب واعلم أن المصلى يناجى ربه وأنك واقف بين يديه تتلو عليه كلامه فانظر حظك من القرآن وحظه وتدبر ماتقرأه فليس المراد جمع الحروف ولاتأليفها ولاحكاية الأقوال، وإنما المراد بالقراءة التدبير لمعانى ماتتلوه، فلاتكن جاهلاً. فلما أصبح انتظر الأستاذ الشاب فلم يجئ إليه، فبعث من يسأل عن شأنه فقيل له: إنه أصبح مريضاً يعاد. فجاء إليه الأستاذ، فلما أبصره الشاب بكى وقال: ياأستاذ جزاك الله عنى خيراً ماعرفت أنى كاذب إلا البارحة لما قمت فى مصلاى وأحضرت الحق تعالى وأنا بين يديه أتلو عليه كتابه، فلما استفتحت الفاتحة ووصلت إلى قوله: ﴿إياك نعبد﴾ نظرت إلى نفسى فلم أرها تصدق فى قولها فاستحييت أن أقول بين يديه ﴿إياك نعبد﴾ وهو يعلم أنى أكذب فى مقالتى، فإنى رأيت نفسى لاهية بخواطرها عن عبادته، فبقيت أردد القراءة من أول الفاتحة إلى قوله: ﴿ملك يوم الدين﴾ ولاأقدر على أن أقول: ﴿إياك نعبد﴾ إنه ماخلصت لى ... فبقيت أستحى أن أكذب بين يديه تعالى فيمقتنى، فما ركعت حتى طلع الفجر وقد رضّتْ كبدى، وماأنا إلا راحل إليه على حالة لاأرضاها من نفسى. فما نقضت ثالثة حتى مات الشاب، فلما دفن أتى الأستاذ إلى قبره فسأله عن حاله فسمع صوت الشاب من قبره وهو يقول ياأستاذ:

أنا حى عند حى       لم يحاسبنى بشى

  قال الشيخ اللخمى: فرجع الأستاذ إلى بيته ولزم فراشه مريضاً مما أثر فيه حال الفتى فلحق به. وقال الشيخ محيى الدين معلقاً على القصة: "فمن قرأ ﴿إياك نعبد على قراءة الشاب فقد قرأ" ... فما أجل حالة المراقبة الحقة لله تعالى وماأكثر المصلين وماأقل المخلصين!.