أغلق    
             
                                 

 

الخطاب الذى وجهه مولانا الإمام الشيخ محمد إبراهيم محمد عثمان شيخ الطريقة

 
  أعلى الصفحة  

الى الأمة الإسلامية مساء الأربعاء الثالث من شهر أبريل عام 2019

 

(نسخة للطباعة)

 

 

  العـودة  

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمدُ لله على نوال الحبيب مناهُ برضا مولاه، وفوق الرضا مشاهدة من اصطفاه، وترحيب أهل السما له فى علاه، فسبحان من بالعبد سماه، ورضى الله تبارك وتعالى عمن صاحبوه فى إسراءه، أبى بكر من طلب الصحبة، وعن الفاروق عمر الذى فرّق بين الظلمة والضياء، وعن سيدنا ذى النورين عثمان وصاحب الحياء فسبحان من حَيَّاه، وعن أبى الحسنين وزوج البتول فسبحان من أعطاه، وآله الكرام لهم منا كل الود والثناء.

أما بعد..

فيا أحباب الحبيب المصطفى

يقول المولى الكريم ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى الضحى فكان عطاء المولى لحبيبه حتى يرضى، وهذا هو معنى (الحبيب) فى أبهى صوره، فلما حانت الإسرا لم تكن ليسرى عنه، فالحبيب لا يحتاج إلى أسباب ليسرى عن حبيبه، فما بالكم بعطاء الحبيب لحبيبه .

وأما الإسراء فهو للمريد، فهو السبب فى ترقى الدرجات وعلو المقامات ولا يأتى إلا لسليم الوجه قبل المجاهدات، وأساسها العقيدة فى (الشيخ) فهى الباب الذى بوروده يُفتح لك السبيل إلى دخول طريق أقوام بنوا على محض اليقين بنائهم، فكان نعم البناء على خير الأساس، فساروا على درب الخبراء إلى أن وصلوا إلى مُناهم.

وكانت صحبة الحبيب المصطفى غاية منى الواصلين، ودوام مشاهدة الوجه الكريم دُرة العارفين، فراعوا العهود والأمانات وحافظوا على الصلوات فكانت لهم الوراثة اصطفاءً ومنةً.

فالمنى صحبة الحبيب كما طلبها الصديق (الصحبة الصحبة) ونالها وزيادة، بمشاهدة وجه الكريم، فالكُمل من الأولياء ينالون صحبة البدر اقتفاءً.

وقدم الحبيب حبيبه ليصلى إماما بالأنبياء ليُعلِم مَن وراءهم مدى لطافة جسدية حبيبه، فهم أرواحٌ وحبيبه مازال فى عالم الأجسام.

وبعد أن نال الأنبياء شرف استقبال الحبيب فى أرض الأبدان، عرجوا ليستقبلوه فى سماء الأرواح، ليكشف لهم الوشاح عن بعض مكانة لاهوت الجمال وناسوت الوصال.

وإذا أمعنت النظر تجد أن رحلة الإسراء حدثت فى شهر الله الحرام (رجب) وهذا الشهر هو الشهر الذى تزوج فيه والدى المصطفى حيث انتهت رحلة أسفار انتقال النطفة الطاهرة بين الأصلاب والأرحام حتى استقرّت عند السيدة آمنة رضوان الله تعالى عليها فى (رجب) الفرد، ثم خرجت إلى الدنيا مرتدية ألطف وأشرف جسدية، فى أول (ربيع) الذات المحمدية وهى بحق اللطيفة التى أتت من غيب الأحدية، فكانت شمس سماء لكل الأسرار، ومظهراً لكل الأنوار.

وكان المعراج مناجاةً ووحياً ورؤيةً، فهل كانت المناجاة لجبريل، والوحى من جبريل، والرؤية لجبريل؟ أم كانت المناجاة لله، والوحى من الله، والرؤية لله؟

إن رسول الله وصل إلى أفق لم يعد فيه مكانا لجبريل، وارتقى لمستوى من النور ودرجة من القرب والحضور استحال معها ارتقاء أى ملك مقرب أو نبى مرسل إلى هذا الارتقاء:

قَدْ اسْتَحَالَ إِرْتِقَاءُ الكُّلِّ رَقْوَتِهِ
 

 

فَدَنَا بِإِرْفَادِهِ يُرْوِى رَوَابِينَا
 

فكان للحبيب عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات المكانة الزلفى فحقت له المناجاة والوحى والرؤية دون واسطة أو حجاب، وكان هو الواسطة الكبرى والحجاب الأعظم، من به تَعرَّفَ الخَلْقُ على الحق، فَصَلِّ اللهم به منه فيه عليه وسلم.

لم تقف تلك المرتبة للحبيب فحسب.. ولكن من كرم الكريم أن جعلها فى خلفاءه وورثته، ويشير إليها صاحب البحر المديد فى تفسير آية الرضا من (الضحى) فيقول:

يشير إلى القسم بضحوة نهار قلب الرسول عند انتشار شمس روحه على بشريته، وبِلَيل بشريته عند أحكام الطبيعة، وسلوك آثار البشرية لغلبة سلطان الحقيقة ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّك﴾ بقطع فيض النبوة والرسالة عن ظاهرك ﴿وَمَا قَلَى﴾ بقطع فيض الولاية عن قلبك ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ يعنى: أحوال نهايتك أفضل وأكمل من أحوال بدايتك، لأنه لا يزال يطير بجناحى الشريعة والطريقة فى جو سماء الحقيقة ويترقّى فى مقامات القرب والكرامة. الإمام القشيرى فى البحر المديد للإمام ابن عجيبة

وسرى المنى فى الوجود فما كان له حد، فلم يقتصر على مرتبة دون الأخرى، أو على امرئ دون غيره، وحسبنا فى ذلك طريقة أهل البيت ومسك الختام، فكان مُنى الرعيل الأول صحبة الإمام فخر الدين رضى الله تعالى عنه، وقطفوا من درر شراب وصل العارفين من بين دفتى بطائن الأسرار حين تبدل عندها ألف بباها.

وإلى خامس الخلفاء الراشدين استمراراً لهذا المنهج الراقى فى تعليم البشر، نراه يهمس لنا بقوله: كونوا دعاة إلى الله وأنتم صامتون، قالوا وكيف؟ قال: بأخلاقكم، فما كان منه إلا أن أوضح لنا حديث الحبيب المصطفى (الصَّمْتُ حُكْمٌ وقليل فاعله) ورُوىَ عن سيدنا لقمان الحكيم مثل هذا النص، وعن أبى الدرداء كان يقول: تعلموا الصمت كما تتعلمون الكلام، فإن الصمت حُكمٌ عظيم وكن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلم فى شىء لا يعنيك، ولا تكن مضحاكاً من غير عجب، ولا مشاءً إلى غير إرب يعنى إلى غير حاجة.

فعلى الأحباب الترفع بأخلاقهم ويعينهم على هذا كثرة الاجتهاد فى الذكر والعبادة ومحبتهم لإخوانهم، لتكون سبباً فى نجاتهم إن شاء الله.

وتنهمر حبات مطر لؤلؤ المنى لتعم سائر المسلمين ويتجلى نوال مناهم فى رضاء الوالدين، وفى الزوجة الصالحة، ويمتد حتى يصل إلى تربية الأطفال، ويتفرع ليتواصل ويتجلى فى نعمة العلم، ليفيض بعدها على عموم معاملات المسلم مع سائر الخلق، ودرر هذا الموطن فى رضاء البارى بالقبول والعرفان من الحنان المنان.

ربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لنختلف أو نأتلف أو حتى لنتعاتب أو نتصافح، وإنما لنكشف كم غرَّتنا الدنيا وجعلتنا نتذكر حقوقنا وننسى واجباتنا، ونجد أن ما حدث بالأمس القريب كان عن سوء فهم، فجعلت الأخ يأخذ موقفاً من أخيه، وحينها يتضح أنه لم تكن هناك مشكلة من الأساس، بل تصرفات حدثت بينهم دون مبرر وكلٌ آخذ جانباً من الآخر.

ففى كل طور من الأطوار تجد فروع المنى ودرره تحن إلى أصل العهد (بداية الطريق) الذى ارتوى بالسر الذى سرى فينا (كمال الدين).

ويقول المولى سبحانه ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُون﴾8 : 10 المؤمنون، مدح المولى سبحانه (الخلفاء) أصحاب الأمانات (رعاة الرعية) بأنهم مراعين لعهد الله المتمثل فى السر الذى سرى فيهم من السر النبوى، ألا وهو هداية الضالين، ورد الشاردين، ثم أفصح فى ختام الآية بأنهم (الوارثون) فهلا وعيتم من هم (الخلفاء الراشدين) على اختلاف المسميات التى أطلقها عليهم المولى الكريم وحبيبه ومصطفاه.

يقول المصطفى [سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ] إن المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها يؤدون الصلوات الخمس ويحافظون على تسوية الصف، ونسوا أو تناسوا أن يسووا صفوف وحدتهم بين الأمم، فوحدة صف العالم الإسلامى أهم ركيزة من ركائز التقدم، فعندما تهاون المسلم فى وحدة الصف، فقد استهان بكرامة وطنه، فإقامة كرامة الوطن من الإيمان.

ففى صدر الإسلام عندما كانت الصحابة وحدة واحدة حوْل الرسول لا يلتفون حول غيره، يراقبونه ولا يراقبون غيره، كان لهم الفتح الأكبر والنصر المبين، فكانوا لا يرون غير الرسول رغم حبهم للصديق، ورغم حب رسول الله له، فلم يجعلوا يوماً نداً لرسول الله حتى الصديق نفسه.

وعندما آلت الخلافة إلى الصديق كان رضى الله تعالى عنه بمنزلة رسول الله وسط قومه، مصداقاً لقوله ﴿الشيخ فى قومه كالنبى فى أمته﴾ وكان لقبه (خليفة رسول الله) وكان سائر الصحابة بمنزلة الصديق على عهد رسول الله فلا يرون مع (الخليفة) لرسول الله أحداً غيره، لذلك اتحدت الأمة واشتد عضدها، وحين اختلفوا وكثرت الآراء، وتعددت المفاهيم حول الخلافة، نشبت الحروب، بل ونال القاصى والدانى منها.

ولما كان الشيطان يدخل دائماً فى كل أمر من أمور الدين القويم ليُحيِّد الناس عن الطريق المستقيم، جاء البعض واتخذ من مُسمى الخلافة أو الإمارة سيفاً يتسلطوا به على رقابِ العباد، فاستباحوا به دماء البشر التى حرمتها الشرائع السماوية والقوانين الإنسانية، حجتهم فى ذلك الدعوة إلى الإسلام، فاجتزأوا النصوص تارة، وتارة أخرى فسّروها بأهوائهم، وَنَصَّبوا أنفسهم أوصياء على الناس وعلى المجتمعات، وأتوا بفكر عقيم، وضلال مبين، وأصَّلوا لفكرة التطرف أينما حلّوا، وَحَسِبوا أنهم يُحسنون صنعاً، وهم الخاسرين أعمالاً، وما كانت الخلافة يوماً على هذا الحال، وإنما هى رمز للتوحيد وهدف لاستكمال مسيرة الحياة، فتوحيد الكلمة وتوحيد الجهود، يسعى بنا لبناء مجتمع قوى متماسك، لا تؤثر فيه التيارات الخبيثة والأفكار البائسة التى تسعى لخراب المجتمع بل وخراب الإنسان.

والكتاب الكريم ضرب لنا أعظم وأروع الأمثلة المتمثلة فى سيدنا هارون عليه السلام، حين استخلفه كليم الله على قومه، وعبد بنو إسرائيل العجل، ولما رجع الكليم وعاتب سيدنا هارون، فقال له كلمة سجلها التاريخ لتكون رمزاً على مر العصور، وتتفاوت عليها الدهور ﴿خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرَائِيلَ﴾94 طه، أن جعلتهم فرقتين، ويالها من سخرية، لم تتفرق الأمة إلى فرقتين بل صارت فرق بين هؤلاء وهؤلاء، ومن شدة الحماقة، تجد لكل قوم منهم حجة يستند إليها ليبرر بها مخالفتهم لله ورسوله وأولى الأمر، ولم يؤوى أحدهم إلى ركن شديد أو إلى رأى سديد.

فالأمة الإسلامية لن تعود إلى عصرها الذهبى حتى تفيق من غفلتها ويجتمعوا على كتاب الله وسنة رسول الله .

فوحدة صف الأمة الإسلامية علمها رسول للبشرية لصغار المسلمين قبل كبارهم، علمها لهم فى ركن الصلاة فقال [مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ] علّموهم أن يكونوا خلف إمام واحد ولا يتفرقوا شيعاً، فهل رأيتم جماعة بإمامين؟!!

فإذا نظرنا إلى أعداء الإسلام نجدهم يدعون إلى صفات المسلم غير أنهم ليسوا مسلمين، فتجدهم يشيرون إلى توحيد صفوفهم، وأن تكون كلمتهم واحدة، واحترام رموزهم، والرحمة بصغيرهم، والمحبة شعارهم، وحسن المعاملة ديدنهم.

وعندما حل المصطفى بالمدينة المنورة أرسى فيها تعاليم الإسلام السمحة، فأمر ببناء المسجد ليجمع فيه الجمع الكريم من الصحابة ومن بعدهم من التابعين.

ولكى لا يكون هناك فرقتين علّمهم المعلم الأول معنى الإخاء، فآخى بين المهاجرين والأنصار ليكونوا صفاً واحداً.

ثم علّمهم رسول البشرية العفو فى أبهى صوره عندما قام بإعداد (وثيقة المدينة) أو كما أطلق عليها البعض (دستور المدينة) وهى التى تنظم علاقة جميع المواطنين فى المدينة على اختلاف دياناتهم، ولم يتعصب رسول الإسلام للإسلام بل نظّم علاقات التعامل بين المسلمين واليهود على اختلاف طوائفهم، ثم أسس سوق تجارى حتى يكسر الاحتكار، بل ونهى عن احتكار معايش المسلمين.

فأصبحت الدولة الإسلامية دولة عظمى ذات كيان وتجلّت قوتها فى اتحاد كلمتها والسير خلف رسولها الأكرم .

نلنا منانا وما فوق المنى دررا

تحدثنا سابقاً عن أخطار العولمة فمازال هناك طائفة تنشر ما يحلو لها باسمنا ورسمنا دون الرجوع لشخصنا أو الرجوع للقنوات الشرعية المتصلة بنا، فيتحدثوا باسم الطريقة دون إذن صاحبها، ولم يستنكف الأحباب نصحى الذى كان لوجه الله مأمون الجناب، فمتى يثوبوا لأنفسهم، ويتوبوا إلى الرب الرحيم، فإذا كان هؤلاء ارتكبوا أخطاء فادحة فالخطأ الأكبر من الذين استمعوا لهم وتجاوبوا معهم بل وتبادلوا أطراف الحديث فيما بينهم.

وهذا الحال ينطبق على حال أصحاب حب الرئاسة الذين دعوا السُّذَّج من أبناء الطريقة لأنفسهم، أو دعوهم للالتفاف حول غيرنا، وفى النهاية خسروا أنفسهم ولم يصيبوا الطريق بسهامهم وأفكارهم الضالة، وهؤلاء أو هؤلاء كأنهم فى علمنا قد أسهموا.

تمتلئ الحياة بالمسّرات والمنغّصات، وقد تتكاثف الأحزان على الشخص فيشعر بضيقها وكدرها ويصبح كارهاً لها، وقد تجتمع له الحياة بكل المسّرات فيفرح بها ويراها كالجنة، ومن اليسير فهم تغيّر الإنسان إن فهمنا طبيعة تكوين النفس البشرية، قال الحق تعالى ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ19 : 23 المعارج.

إن مفهوم تكوين وحدة الإنسان وخلقه ودرجة امتثاله لشرائع ربه، لأمر شغل البشر منذ القِدم، فإن أردنا تبسيط معنى الدين فهو  عبارة عن عبد ورب وصلة بينهما تسمى (الدين) وفى أمر خَلْق النفس البشرية من التراب والماء لخلق سيدنا آدم حسب الأوامر الإلهية من الاسم (البارئ) ثم إلى (المصور) ثم إلى (الخالق) وكان آدم من أديم الأرض فسُمّى آدم، وقد خُلق فى العرش، وفى السيرة عن سيدنا عمر بن الخطاب عن النبى قال (فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتنى بيدك ونفخت فى من روحك، رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله) فهو مخلوق فى العرش، وهو بدنياً مخلوق من تراب وماء، ثم وضع فيه الأرواح الثلاث:

o    واحدة من الريح الصرف وتسمى بالروح (البهيمى) ووظيفتها تدبير وظائف الجسد اللاإرادى، كوظائف القلب والكلى وما شابه.

o   ثم الروح الثانية وهى روح (التكريم) وهى من نور روح القدس ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ70 الإسراء، أى وضعنا فيه روح التكريم، وهى تنزل فى مواطن الحواس، كونه: سميعاً، بصيراً، حياً، مريداً، قادراً، عالماً، ومتكلماً.

o   والروح الأخيرة هى روح (الإيمان) وهى منحة من نور النبى :

وعندما يصل الآدمى إلى موطن التكليف تأتى (الأنفس) ويبدأ الصراع بين الطبائع الأربعة الممتزجة فيه، منها الرحمانى المتمثل فى (التراب والماء) والشيطانى المتمثل فى (الهواء والنار) ويستمر الصراع حتى تنتصر أحد هذه الطبائع، وعن الحبيب المصطفى أنه قال: خلق الله الإنسان من أربعة أشياء: من الماء والطين والنار والريح، أما إذا كثر من الماء فيكون حافظاً أو عالماً فقيهاً أو كريماً، وأما إذا كثر من الطين فيكون سفاكاً خبيثاً مفلساً فى الدنيا والآخرة، وأما إذا كثر من النار فيكون عوّاناً أو ظالماً، وأما إذا كثر من الريح فيكون كذاباً.الحافظ السيوطى.

ثم أن الله وضع لابن آدم (العقل) وهو مثال للـ(برزخ) وهو لغةً بمعنى (الرباط) حيث ورد فى الحديث قول الصحابى للنبى متحدثاً عن ناقته: أأعقلها وأتوكل أم أتركها وأتوكل؟ قال: بل اعقلها وتوكل، أى اربطها، أى أن العقل خُلق لربط الأشياء، فلا يعمل الآدمى من تلقاء نفسه ووفق هواه بل هو مقيد بضوابط معينة، وهى الأوامر الإلهية وشِرعة النبى ، وهى ما تُسمى بالمعقولات، وهو ما يتفق مع الربط، لذلك فإن الفقه فى أول درجاته، والإسلام فى أول درجاته، والدين فى أول درجاته، يحتاج لهذا الربط، فتجد الآيات تقول ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ68 يس، أى ربط الأمر بتنفيذه، والعقل يسكن موطن الحواس، وهو موطن القلب لا الرأس، قال تعالى ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا46 الحج، وهذا العقل يرتقى، فيصبح فؤاداً، فعلى سبيل المثال فى قصة سيدنا موسى وأمه، فقد ظهرت نبوءة الولد من بنى إسرائيل الذى يهدد مُلك فرعون، فكان فرعون يبعث بجنوده لقتل كل حامل من بنى إسرائيل، فبعد ولادته عليه السلام دخل الجنود فجأة فرمته أخته فى التنور وهو الفُرن، ولما خرج الجنود نظرت أخته فى التنور فوجدته جالساً يرضع إصبعه، وهذا هو الخارج عن المعقول، فقررت حينها أمه أن تلقى به فى اليم وإن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا10 القصص، أى إنه استقر، وأصبح فارغاً عن كل شىء سوى الله فقال لها تعالى ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ7 القصص، وقال ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِى التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِى وَعَدُوٌّ لَهُ39 طه، وهذا هو الخارج عن المعقول وهو ما يختص به الفؤاد ويتقبله، ثم بعد الفؤاد يتطور الإيمان إلى اللب وهو عقل الروح، فى قوله تعالى ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ29 ص، ثم يترقى ليصبح عقل العقل، وهو العقل الذاتى، وهو ما يتفكر فى الله وكل ما دونه يتفكر فى آيات الله، وصاحب العقل الذاتى يسمى بـ(ذى النهى):

وفيك انطوى العالم الأكبر
 

 

أتحسب أنك جرم صغير
 

فابن آدم هو مثال مصغر للأكوان.

أن يكون لك عقل هذا أمر، وأن يكون هذا العقل مربوطاً بنور الفهم هذا أمر آخر.. لأن الجميع لهم عقل ولكن ليس لكلٍ نور الفهم، ونور الفهم لا يتأتى إلا بمداومة الذكر، والفكر يأتى بعد الذكر.

نلنا منانا وما فوق المنى دررا

مازلنا ننهل من نبع هداية أقوام أفنوا أعمارهم فى الدعوة الخالصة إلى الله وها هو الإمام الشافعى يقول: طلبنا ترك الذنوب فوجدناها فى صلاة الضحى، وطلبنا ضياء القبور فوجدناها فى قراءة القرآن، وطلبنا عبور الصراط فوجدناها فى الصوم والصدقة، وطلبنا ظل العرش فوجدناها فى الأخوة الصالحة، أفاض الله على قلوبكم نور الرضوان وأسماعكم عذوبة القرآن.

فلا تكن بما نلت من دنياك فرحاً، ولا لما فاتك منها ترحاً ولا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول أمل، فمن شغلته دنياه خسر آخرته.

ومهما كانت ظروفك القاحلة سينبت الله لك فيها الفرج، فتأمل قوله تعالى فى كتابه الكريم ﴿وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ37 إبراهيم، فكانت تلك الدعوة رغم أنهم بواد غير ذى زرع.

وعن الثبات فى الأمر فإنه لا يكون بكثرة الاستماع للمواعظ وإنما يكون (بفعل) هذه المواعظ وتطبيقها فى واقع الحياة... فانظر إلى قوله تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا66 النساء.

وقيل لأحد العلماء: يا شيخ، فلان انتكس.

قال الشيخ: لعل انتكاسته من أمرين:

اﻷول: إنما أنه لم يسأل الله الثبات، أو الثانى: أنه لم يشكر الله على نعمة الاستقامة.

فحين اختارك الله لطريق هدايته، ليس لأنك مميز أو لطاعةٍ منك، بل هى رحمة منه شملتك، قد ينزعها منك فى أى لحظة، لذلك لا يغتر أحد بعمله ولا بعبادته، ولا ينظر باستصغار لمن ضلّ عن سبيله، فلولا رحمة الله بك لكنت مكانه.

قال تعالى ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا74 الإسراء، فإياك أن تظن أن الثبات على الاستقامة أحد إنجازاتك وإنما توفيق من الله، نسأل الله تعالى لنا ولكم الثبات حتى الممات، وقالوا خمس مثبتات فى عصر الفتن:

1. القرآن الكريم ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ32 الفرقان.

2. وقراءة السيرة وقصص الأنبياء ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ120 هود.

3. العمل بالعلم ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا66 النساء.

4. الدعاء (يا مقلب القلوب ثبت قلبى على طاعتك).

5. الرفقه الصالحة ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِى يُرِيدُونَ وَجْهَهُ...28 الكهف.

ومن وصايا أحد العارفين لكل المريدين والسالكين فى طريق القوم، فى طريق التصوف وخاصة الفقراء، وهى وصية عظيمة تعد بمثابة العقيدة والدستور والمنهج لكل سالك يرد طريق أهل الله، فينبغى أن تكون محفوظة لدى كل مريد فى عقله وقلبه، فهى كالمشعل يضىء لك الطريق فى ظلمة الليل الحالك فاحفظها واعمل بها وهذه هى الوصية:

1. أوصيك بتقوى الله، وحفظ طاعته، ولزوم ظاهر الشريعة، وحفظ حدوده.

2. وإن طريقتنا هذه مبنية على: سلامة الصدر، وسماحة النفس، وبشاشة الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى، والصفح عن عثرات الإخوان.

3. وأوصيك بالفقر هو: حفظ حرمات المشايخ، وحسن العشرة مع الإخوان، والنصيحة للأصاغر، والشفقة على الأكابر، وترك الخصومة مع الناس، وملازمة الإيثار، ومجانبة الادخار وترك الصحبة مع من ليس منهم ومن طبقتهم، والمعاونة فى أمر الدين والدنيا وحقيقة الفقر أن لا تفتقر إلى من هو مثلك وحقيقة الغنى أن تستغنى عمن هو مثلك.

4. وأن التصوف ما هو مأخوذ عن القيل والقال، بل هو مأخوذ من ترك الدنيا وأهلها، وقطع المألوفات والمستحبات، ومخالفة النفس والهوى، وترك الاختيارات والإرادات والشهوات، ومقاسات الجوع والسهر، وملازمة الخلوة والعزلة أى المراقبة.

5. وأوصيك إذا رأيت الفقير أن لا تبتدئه بالعلم بل ابتدئه بالحلم والرفق فإن العلم يوحشه والرفق يؤنسه.

6. وأن التصوف مبنى على عدة خصال:

o الأولى: السخاء وهى لسيدنا إبراهيم .

o الثانيـة: الرضـا وهى لســــيدنا إسحاق .

o الثالثـة: الصـبر وهى لســــــــيدنا أيـــوب .

o الرابعـة: الإشارة وهى لســــــيدنا زكـــريا .

o الخامسة: الغربة وهى لســــــــــــــيدنا يحيــى .

o السادسة: الفقر وهى لسيدنا محمد (وهى الافتقار إلى الله).

7. وأوصيك أن لا تصحب الأغنياء إلا للتعزز، والفقراء إلا للتذلل، وعليك بالإخلاص وهو نسيان رؤية الخلق ودوام رؤية الخالق، ولا تتهم الله عز وجل فى الأمور، واسكن إليه فى كل حال، ولا تضيّع حقوق أخيك اتكالاً لما بينك وبينه من المودة والصداقة فإن الله عز وجل فرض لكل مؤمن حقوقاً عليك، فأقل الحال هنا الدعاء لهم وخدمة الفقراء لازمة على طالبٍ بالنفس والمال.

8. والزم نفسك بثلاثة أشياء: بالتواضع لله سبحانه وتعالى وبحسن الأدب مع الخلق كلهم وبسخاء النفس.

9. وأمِت نفسك حتى تحيا، وإن أقرب الخلق إلى الله أوسعهم صدراً وأحسنهم خلقاً، وإن أفضل الأعمال مخالفة النفس والهوى ودوام التوجه إلى الله سبحانه وتعالى والإعراض عمن سواه.

10. وحسبك من الدنيا شيئان: أولاً صحبة فقير عارف، ثانياً   خدمة ولى كامل.

11. واعلم أن الفقير هو الذى لا يستفتى بشىء من دون الله تعالى، وطريقه جد كله فلا يخالطه بشىء من الهزل.

12. وجانب أهل البدع -والعياذ بالله- فلا تنظر إليهم جملة.

13. وعليك بترك الاختيار وملازمة التسليم وتفويض الأمر كله لله.

وطيب الصحبة هم من إذا غبت عنهم فقدوك، وإذا غفلت نبّهوك، وإذا دعوا لأنفسهم لم ينسوك، هم كالنجوم إذا ضلت سفينتك فى بحر الحياة أرشدوك، وغداً تحت عرش الرحمن ينتظروك، ألا يكفى أنهم فى الله أحبوك.

مما تعلمناه من سور القرآن الكريم سورة "التفاؤل والتثبيت" الكثيرين منا لا يعلمونها إنها سورة الطلاق، وهل تعلم لماذا سُميت كذلك؟

لأنها حُشدت بعدد من الجُمل التى تفتح لكل مغموم ومهموم آفاق الأمل على الرغم من قصرها.

إذا مرّت حياتنا بزواج فاشل أو مرض أو صراع نفسى أو خسارة مالية، فاعرض حالك على آيات سورة "التفاؤل والتثبت".

بدءاً بالآية الأولى ﴿لَا تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا1 الطلاق، اجعلها شعارك، وتذكرها كلما بُليت بما يغمك.﴿﴾

ثم الآيات التى بعدها ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا2 الطلاق، أضاقت عليك الدنيا حتى كدت تجزم أنك لن تسعد بحياتك مرّة أخرى؟ من جعل لك مدخلاً إلى هذا البلاء يجعل لك -يقيناً- مخرجاً منه، إن اتقيته ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ3 الطلاق، ليس الرزق مالاً فقط، بل شفاءً يُذهب مرضك، طمأنينة تُذهب ضيق صدرك، شريكاً صالحاً يُنسيك شقاءك الأول.

﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ3 الطلاق، أى متولى جميع أمرك، وكافيك ما أهمك، فقط توكل عليه، واترك له تدبير خلاصك من هذه الكربة، لكن لا تنسَ ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا3 الطلاق، فلا تستعجل، ولا تيأس، ومهما أظلم الليل فضوء الصبح آتٍ لا محال.

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا4 الطلاق، يُيَسِّر لك ما يُصبّر نفسك، يُيَسِّر لك ما يُثبّت عقلك، يُيَسِّر لك ما يشرح صدرك، يُيَسِّر لك ما يُنهى كربك.

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا5 الطلاق، وما هذا البلاء -إن احتسبته- إلا تكفير لسيئاتك ورفعة فى درجاتك، وحسبك بهذا مغنماً وسط كل ذلك الضيق والهم والألم. اتق الله، اتق الله، اتق الله.

ثم تأتى خاتمة آيات التفاؤل قاطعةً حاسمةً ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا7 الطلاق، فهل يبقى فى نفسك -أيها المكروب- شىء من الشك والتشاؤم بعد كل هذا؟!

نلنا منانا وما فوق المنى دررا

يقول المولى الكريم ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ133 آل عمران، فالمبادرة إلى مغفرة من الرب والتوبة والإخلاص وسائر الطاعات، أمرنا الحق فيها بالمسارعة، على غير الحال فى هذه الدنيا، فنجد أن السرعة فى مناحىٍ شتى أمر غير مطلوب ويحذر منه، كالسير فى الطريق تجد من يحذرك بعدم السير بسرعة حرصاً على سلامتك وسلامة الآخرين، أما إذا تعلق الأمر بطاعة من الطاعات، أو قربة من القربات، أو الرجوع إلى الله بتوبة خالصة، فنجد الحق طلب مِنَّا المسارعة، فطريق الهداية لا ينتظر المتراخى، والإسراع إليه هو السبيل، وعلى قدر الإسراع يكون الاجتهاد، ومنتهى هذا الاجتهاد هو الجنة بإذن الله وآخر هذا السبيل هو نوال المنى بلذيذ الخطاب يا عبادى لا تخافوا ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ30 فصلت.

يَا عِبَادِى لَا تَخَافوُا ذَا أَمَانِى

 

مَا سَمِعْنَا مِثْلَ هَذَا يَوْمَ نَادَى

ونحمد الله إذ هدانا بغرباء الشرق، من بهم استبان الحق، فكانوا هداة مهديين وأئمة راشدين ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ73 الأنبياء، منهم سخى الكف.. حبيب الله.. غياث المعنى.. صاحب الرحيق المختوم.. عذب الشراب الذى لم تشهد الدنيا مثاله، شيخنا وإمامنا الإمام فخر الدين رضى الله تعالى عنه الذى تحدث عن نفسه قائلا:

رَضِيتُ اللهَ وَالْإِسْلَامَ دِينَا

 

عَلَى اللهِ الْكَرِيمِ يَكُونُ قَصْدِى

وقال أيضاً:

وَهِدَايَتِى لِلسَّالِكِينَ مَشَارِبُ
وَفِيهِنَّ لِلرَّاجِى النَّجَاةَ مَكَاسِبُ

 

وَمِمَّا أَفَاءَ اللهُ ذَلِكَ مَشْرَبِى
وَلِى نَظْمُ دُرٍّ وَالْجَوَاهِرُ مَنْطِقِى

والذى أزاح الستار عن مولاى كمال الدين رضى الله تعالى عنه من لديه عوض الوالدين والحبيب الذى لا يخيب رجاؤه.. فقال:

أَيُّهَا النَّاسُ جَاءَكُمْ إِبْرَاهِيمُ

 

مِنْ كَمَالِ الْعَطَاءِ مِنْ فَيْضِ وَهْبٍ

وقال أيضاً:

وَآيَةُ إِبْرَاهِيمَ رَفْعُ الْقَوَاعِدِ

 

وَصَرْحِىَ بِاسْمِ اللهِ بَوَّأْتُ رُكْنَهُ

وقال أيضاً:

كَانَ مِنْ فَضْلِى سَرِيَّا

 

ذَا أَمِينِى لَوْ عَلِمْتُمْ

ويستمر عطاء الإمام الجليل ليشير إلى الشريف الدسوقى، سخى الرفد.. والبطل الذى تكفل من عوائد سره ألا يرد مريده صفر اليد.. يحكى أبا العينين أعظم ماجد.. فيقول:

يَا مُرِيدِى قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدْ

 

مَنْ حَبَا شَيْخَكَ شَيْخًا وَاصِلًا

وقال أيضاً:

لِأَهْلِ اللهِ جَمْعًا كَانَ وِرْدَا

 

أَبَا الْعَيْنَيْنِ يَا نَظْمًا فَرِيدًا

وقال أيضاً:

إِنَّهُ وَاللهِ حَلَّالُ الْعُقَدْ

 

إِنَّهُ دَارٌ وَدَيَّارُ الرِّضَا

ثم يرسو على ميناء السالكين فيطرب قلوب العاشقين بالحديث عن سبط سيد المرسلين ومعين الشاربين وإمام الواصلين، أبا الإكرام أبا الإنعام عطاء الله من دانت له كل الرقاب، فكان لكل السالكين باب.. بقوله:

بَابُ الْإِمَامِ وَنِعْمَ بَابُ الدَّانِى

 

بَابُ الدُّخُولِ إِلَى الْحَبِيبِ مُؤَكَّدٌ

وقال أيضاً:

زُيْتٌ لِمِشْكَاةٍ بِهَا مِصْبَاحُ

 

فَالنُّورُ خَصَّةُ جَدِّهِ وَهُوَ الَّذِى

وقال أيضاً:

مُسْتُشْفِعًا فِيهِ بِتَاجِ الْإِمَامَةِ

 

سَلْ مَا تُرِيدُ مِنَ الْمَكَارِمِ عِنْدَهُ

وترقص الأرواح وتحن إلى أوكارها عندما تشهد البطون الخفية بالكلام عن سيد البرية، قرة الأعيان وملجأ الشفعاء، آية التوحيد وصاحب السجدة يوم الزحام، فيطربنا بقوله:

وَلَهُ لِوَاءُ الْحَمْدِ مَا أَسْمَاهُ
كَفٌّ كَرِيمٌ أَرْضُهُ وَسَمَاهُ
لَا تَعْلَمُ الْأَكْوَانُ كَمْ أَهْوَاهُ

 

هُوَ أَحْمَدٌ فِى قَابِ قَوْسَيْنِ إِنْجَلَى
كَرَمٌ بِلَا كَمٍّ وَلَا كَيْفِيَّةٍ
هُوَ مَنْ عَلَيْهِ اللهُ صَلَّى قَدْرَ مَا

ويُعرِّج غرباء الشرق لتسليم راية الحق إلى

الذى يَجمع الكل حشداً تحت رايته، حامل أختام الحجتين

وختاماً...

كُفِيتُمْ بِالْعَظِيمَةِ وَالْإِمَامِ

 

أُجِرْتُمْ عَنْ نَوَايَاكُمْ بِخَيْرٍ

تأتى لنا الأيام بأجمل وأطيب النفحات فنجد مع ذكرى الإمامين الجليلين تعانقاً جميلاً بذكرى أبناء خير الخلق، فمن قليل الأيام كانت ذكرى سيدتنا السيدة زينب رضى الله تعالى عنها، وفى قريب الأيام نجد ذكرى الميناء الأعظم لجميع السالكين سيدنا ومولانا الإمام الحسين رضى الله تعالى عنه، وبين هاتين المناسبتين العظيمتين حولية الإمامين الجليلين رضى الله تبارك وتعالى عنهما.

فالمنى كل المنى أبداً فوق فوق الفوق مرتفع.. فحقاً قال:

نلنا منانا وما فوق المنى دررا

عَهْدًا رَعَيْنَاهُ مِنْ سِرٍّ سَرَى فِينَا


وصلِّ الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

وكل عام وأنتم بخير

¤¤¤

[1] الإمام القشيرى فى البحر المديد للإمام ابن عجيبة

 
  العـودة